يوميات دراج جبلي في ربوع السلطنة

الدراجات الجبلية بسلطنة عمان

نزار عبيدي

7/2/20251 دقيقة قراءة

أكثر من مجرد رياضة.. إنها شغف وأخوة

لم أكن أعلم أن عجلة دراجتي ستقودني إلى عالمٍ يمتزج فيه تحدّي التضاريس بدفء البشر، إلى أن التقيتُ بـ "فريق الوعل". كان اللقاء الأول في سباق "امطي" بولاية أزكي، حيث اكتشفتُ أن هذه الرياضة ليست فقط عن السرعة والمهارة، بل عن روحٍ تُشبه جبال عُمان نفسها: صُلبة في التحدي، عالية في الأخلاق.

كان اللقاء بالساهرين على الحدث، وكان من بساطته و عفويته، يكاد يكون من وراء العقل… كابتن سعيد المحروقي، والذي سأخصّص له مدونة اقص فيها الدور الذي لعبه هذا الرائد الملهم بمعيّة كل من الرائعين كابتن جو بن، كابتن لبيب اللواتي وكابتن حمد الحجري - بناة دروب عمان- في تأسيس هذه الرياضة…

الوجه الآخر للرياضة: الأخوّة التي لا تُقهَر

ما شدّني أكثر من المسارات الفريدة والمتنوعة أو المنافسة الحماسية النبيلة، كان القلب النابض لهذا المجتمع. كابتن ماجد اليعقوبي وكابتن ناصر الصارخي من فريق ”الظاهرة“ لم يكونا مجرد دراجين، بل كانا الأخ الأكبر الذي يمدّ لك كوب قهوة عربية حارة، ويشاركك من خبرته تجارب. ولم يكن فريق "الظاهرة" أو "الوعل" او فريق ”صور“ مجرد أسماء، بل عائلات صغيرة تتنافس بروحٍ رياضية نادرة.

”وعل!“

فريق الوعل العريق، والذي تشرفت بانضمامي له، و أصبحت ”وعلاً“…

أذكر كيف كان الكابتن حمد الوضاحي -احد مؤسسي نواة الفريق، يُذكّرنا دائمًا بأنها ”متعة، يا رجل! استمتع ولا تكترث!“ "الطريق الأصعب هو الأجمل“ يعقب عليه منصور المحروقي، والذي يشدنا بافتتاحيّاته الشيّقة الرشيقة في مختلف السباقات، وكذلك يحوّل عبدالمجيد الفارسي كل تدريب إلى درس في التكاتف. أما "القرش الأبيض" فهد الغاربي، فروحه المرحة وقوّته الدافعة كالريح خلف ظهورنا في المنحدرات الصعبة تحفزنا لنكسر كل الاوهام التي كبلتنا لسنوات…

ولا تقف الروح الاخوية عندنا، بل تكسر حواجز الاختلاف، وتجعل منه رحمة، فتجدنا من جميع الجنسيات والاعراق نهتف لبعضنا البعض بكل اللغات ”go go go عاش كابتن عاش “vamos vamos Allez Allezنعم، كنا نهتف بالبرتغالية، اذ يشاركنا من البرازيل، كابتن ايمرسون، المقيم بالامارات؛ والذي يحرص على المشاركة في كل الفعاليات والسباقات في السلطنة…

لأنها مدرسة الحياة

لماذا الدراجات الجبلية؟ يسألني اصدقائي وزملائي…

هذه الرياضة علّمتني أن السقوط جزء من الرحلة، لكن المهم ان تنهض، والأهم مَن يمُدّ لك يده لتنهض. التضاريس الوعرة في جبال عُمان – من فلج الشام وغلا في مسقط إلى الجبل الأخضر في نزوى، ومن عبري في محافظة الظاهرة، الى صلالةِ ظفار و موسم الصرب، مرورا بعلياء الرستاق و صور الشرقية – لم تكن ساحات تحدٍّ فحسب، بل محطات لصنع الذكريات. حتى في السباقات الأشرس، كنا نسمع صوتًا من الخلف: ”على الراحات كابتن، معك يا أخوي!"

في منحدرات فنجاء الآسرة، او قرية صُنب ومسار الثوارة… كان المنحدر يتلوى كالأفعى، بينما كانت هتافات الفريق تدفعني للأمام…

تخيّل قطع مسارٍ بينما تشرق الشمس على صخور جبال الحجر!

عند التمرين مرات في مسار النحل، واخرى في مسارات الخوض، من المناظر الخفية، الى تومب رايدر والجوراسيك بارك، مرورا بصعود الهضاب المرتفعة، نزولا الى الوادي العاصف… مناظر لا تكفي الكلمات لوصف جمالها الأخّاذ.

اليوم، بعد 15 عامًا من الحلم، أدركتُ أن الدراجات الجبلية منحتني أكثر من لياقة بدنية؛ إخوةً يصعب أن تجدهم في أي مكان. وإن كانت عُمان تشتهر بجبالها الشامخة، فإنّ أجمل ما فيها هم أبطال هذه الرياضة، الذين يحوّلون كل مسار إلى قصة تُروى.

فهل أنت مستعدّ لأن تبدأ رحلتك؟ احزم دراجتك، وانضم إلى هذا العالم.. حيث لا حدود إلا تلك التي ترسمها إرادتك، ولا مستحيل عندما يكون الفريق عائلةً واحدة.