من وحي المسارات: استكشاف جواهر عمان الخفية في عالم الدراجات الجبلية

من وحي المسارات: استكشاف جواهر عمان الخفية في عالم الدراجات الجبلية

نزار عبيدي

7/28/20251 دقيقة قراءة

من وحي المسارات: استكشاف جواهر عمان الخفية في عالم الدراجات الجبلية

هل هذا ثعلب؟... انظر، إنه يركض بين الصخور هناك!"

كانت هذه ردة فعلي التلقائية عند رؤية حيوان بري بلون الرمال، بدا ثعلباً وهو يهرب بعيداً، مستغرباً لأصواتنا وضحكاتنا العالية.

"إنه ثعلب! نحن في قلب المجهول، حرفياً"، أجاب أمييل. "فعلاً! نحن في الحياة البرية الحقيقية."

هذه اللحظة جسّدت روح مشروع بناء مسارٍ جديد آخر، "عش النسر". بعيداً عن المدينة، محاطين بالطبيعة الوعرة، جمعتنا الصحبة والشغف المشترك للدراجات الجبلية. كان لي شرف المشاركة في بعض طلعات مشوار بنائه. لبيت نداء الجلسة الثانية، وعملت جنباً إلى جنب مع الكابتن سعيد المحروقي وحمد الحجري، في تشكيل منعطفات متعرجة صعبة وتنظيف الاجزاء الصخرية. كانت الجلسة الثالثة أكثر حيوية، حيث انضم إلينا، سعيد ومحدثكم، دراجون من الفريق الفلبيني -السنيور أورلي ، أمييل، ولاحقاً ماركو وبيرسيفال. معاً، سطرنا خطوطاً جديدة، وعززنا المنحنيات، وتبادلنا الأفكار حول المسار الذي نبنيه، وحكايات مسارات أخرى إلى جانب المشروبات التي جهزناها بأيدينا والفواكه والغلال التي حولت العمل الشاق إلى لقاء تسامر في الطبيعة البرية.

الجواهر المنسية تحت الضوء: بيدومناتي والرجل الصاخب

في مشهد غالباً ما يميل نحو أحدث المسارات والطرق الأكثر إثارة، يختفي البعض الاخر منها بهدوء عن الأنظار. بيدومناتي والرجل الصاخب لم يستضيفا رحلة جماعية أو حدثاً في السنوات القليلة الماضية - لكنها لم تفقد أي من تشويقها واثارتها. بعيدة عن الاعين الفضولية، في التلال الوعرة المحيطة بعاصمة السلطنة - مسقط، لا يزال هذان المساران يقدمان تحدياً جدياً، ويحتفظان بالمناظر الخلابة الاصلية، يذكراننا بجوهر هذه الرياضة: لا ضوضاء، لا ازدحام، فقط أنت ودراجتك والجبل.

وراء تسمية المسارات... حكايات

كلاً من بيدومناتي والرجل الصاخب يحملان أسماء لا نعرف بالضبط هل هي من وحي الخيال او تيمّنًا بأشخاص حقيقيين وتراث محلي. بيدومناتي، التي تعني تقريباً "السر الكبير"، سُميت من قبل جو بن -الدراج الفذ والعضو الأساسي في بناة دروب عمان. صاغ جو التسمية خلال الأيام الأولى عندما كانوا يسطرون نزولها القاسي. سُمي المسار بهذا الاسم –وهذا من استنتاجات الكاتب- بدمج كلمتي بدوي و إلوميناتي، والتي قد تعني "البدوي المستنير". وقد استضاف المسار سباقاً للتحمل Enduro و آخر للصعود. ويتصل بـمسار "ألبوم بيونسيه الجديد"، جاعلا من المسافة الكاملة للمنحدر 8 كيلومترات من القمة إلى الوادي.

الرجل الصاخب، من ناحية أخرى، هي على الأرجح تسمية كانت تيمّنا براعٍ مجهول، ُيروى انه كان حكيما رهيف الإحساس، رغم قساوة المكان.

بيدومناتي: السر الكبير

بعد لقائنا مع الثعلب، والإحساس الحقيقي بالبريّة الذي ميّز عملنا على انجاز مسار "عش النسر"، أصبح واضحًا أن ممارسة رياضة الدراجات الجبلية في عمان تتجاوز مجرد قيادة الدراجة—إنه انغماس في تضاريس وعرة، وتحديات تقنية، ومتعة الاكتشاف. نجد هذه الروح حاضرة بقوة في أحد أكثر المسارات تطلبًا وإثارة في احواز مسقط: بدوميناتي.

يقع هذا المسار في قرية سعال، ويمتد لمسافة 1.4 كيلومتر، ويرتفع حتى 821 مترًا، مما يجعله أعلى مسار دراجات جبلية تم إنشاؤه في محيط مسقط. هذا المسار ليس للمبتدئين—انحداراته الحادة والتقنية، مليئة بالصخور الكبيرة، وخيارات الخطوط فيه محدودة، مما يتطلب مهارات متقدمة وتحكمًا واثقًا في الدراجة. يجب على الدراجين التعامل مع منعطفاته الضيقة، وتضاريسه الصخرية، واجزاء لا يمكن وصفها إلا بـ "الوحشية" او "الرهيبة"—وهي مصطلحات شائعة في عالم الدراجات الجبلية لوصف التضاريس الوعرة والصعبة.

ارتفاع المسار يجزي من يصل إلى قمته بإطلالات بانورامية تكاد تكون لامحدودة تغطي مسقط، الأنصب، فلج الشام، غلا، الرسيل، الخوض، وفنجاء، مما يمنح راكب الدراجة حفلاً بصرياً لا يوازيه سوى تدفق الأدرينالين أثناء النزول.

يُعد بدوميناتي من المسارات المفضلة لدى راكبي الدراجات الجبلية ذوي الخبرة الذين يسعون لشحذ قدراتهم الفعلية، وكذلك لدى عدّائي المسارات الذين يستخدمون انحداراته الشديدة للصعود والنزول على حد سواء. وبسبب مواصفاته التقنية، يعتمد معظم الراكبين على دراجات كاملة التعليق—المعروفة في لغة الدراجين بـ"فول سكويش"—للحصول على تحكم أفضل وراحة أكبر على التضاريس الوعرة. مميزات مثل حدائق الصخور، والمنحدرات الحادة، والأقسام المائلة تضيف صعوبةً الى صعوبة التحدي، بينما توفر العزلة وهواء الجبل النقي مهربًا مرغوب فيه من صخب الحواضر.

لمن يبحث عن المغامرة، فإن بدوميناتي أكثر من مجرد مسار؛ إنه طقس عبور. يجمع بين التحديات القاسية، والإطلالات الخلابة، وإحساس التخلص من قيود الروتين، مما يجعل كل طلعة في دروبه تجربة لا تُنسى في بريّة عمان الجامحة.

الرجل الصاخب: المسار القصير الذي يتردد صداه حتى اطراف الانامل

على امتداد الحافة من بدوميناتي، يقع مسار لا يبدو طويلًا على الخرائط—لكنه يحمل عمقًا حقيقيا في كل متر. مرحبًا بك في الرجل الصاخب: 2.9 كيلومتر، مسار ضيق، مكشوف، ملتصق بجانب الجبل فوق قرية سعال والمطل على الامتداد الهادئ لقرية سخنة.

اسسه افراد بناة دروب عمان (OTB)، وهو نتاج أكثر من200 ساعة متواصلة من العمل الدؤوب، والكد والإصرار. كما أنه من المسارات اليسير بلوغه، بالقرب من العاصمة مسقط—"قريب بما فيه الكفاية لجولة سريعة بعد الدوام"، لكنه بِرّي بشكل يشعرك أنك في عالم آخر تمامًا.

يبدأ المسار قرب برج اتصالات ويتسلق تدريجيًا، متعرجًا عبر تضاريس مغطاة بالشجيرات الصحراوية، وأشجار السمر، وتكوينات صخرية غريبة غنية بالمعادن. ما يبدأ كصعود هادئ، يتحول بسرعة إلى تحدٍّ جاد. مع زيادة الارتفاع، يضيق المسار وتزداد الحواف خطورة—إحدى الجوانب منحدر صخري، والآخر هاوية سحيقة بإطلالات بانورامية.

ثم يبدأ نزول المنحدر.

القيادة في الرجل الصاخب سريعة، والدروب ضيقة، مع زوايا مائلة وحواف صخرية تتطلب تركيزًا كاملاً. لا يوجد مجال للتردد هنا. إنه مسار تقني لكنه سلس—صُمم بانسيابية، على يد راكبين محليين يعرفون كيف يوازنون بين الإثارة والقدرة على القيادة.

ما يميز الرجل الصاخب ليس فقط تضاريسه—بل الاحاسيس التي يثيرها. الصمت المطبق، الرياح الملتفة حول المنعطفات، تفتت الحصى تحت الإطارات. إنه مسار يمتحن التركيز بقدر ما يمتحن المهارة، دربٌ يجعلك يضع أعصابك على محك الواقعية، دون أن يعاقب طموحك.

وعلى الرغم من أن المسار في حد ذاته يبدو معزولا وحادًا، فإن تجهيزه لم يكن كذلك. فجهود OTB الجماعية—من هواة رياضة الدراجات الجبلية، وراكبي الدراجات المخضرمين، والمبتدئين في تخطيط المسارات—ملموسة في كل منعطف ومنحدر. لقد حولوا منحدرًا لا يمكن الوصول إليه إلى تجربة تفاعلية مع الطبيعة الخلابة، مع الحفاظ على ملامحها القاسية احيانا.

قد يكون الرجل الصاخب قصيرًا، لكنه مع تعرضه الخام، وجذوره المجتمعية، وإطلالاته الممتدة من المزارع الجبلية إلى الأفق البعيد—ليس أطول مسار في الدليل… لكنه المسار الذي يتردد صداه حتى اطراف اناملك.