أساطير الدراجات الجبلية في عُمان: كابتن منصور المحروقي
الكابتن منصور المحروقي: الحنجرة الذهبية التي تصدح بأولى خطابات الانطلاق في سباقات الدراجات الجبلية،
نزار عبيدي
7/17/20251 دقيقة قراءة


أساطير الدراجات الجبلية في عُمان
الكابتن منصور المحروقي: الحنجرة الذهبية التي تصدح بأولى خطابات الانطلاق في سباقات الدراجات الجبلية،
فرسان الفجر
كانت شوارع بركاء نائمة تحت ضوء فجر وردي، عندما انطلق ثلاثة أشخاص وسط الضباب الصباحي على دراجاتهم المختصة. يمسك منصور المحروقي بمقود دراجته، وساقاه تحترقان من شدة الضغط على الدواسات لمجاراة كل من حمد الوضاحي وحميد السناوي.
يتذكر منصور مبتسماً: "كنا نسمّيها "سيكل" في ذلك الوقت، وليس 'دراجات جبلية'. هياكل حديدية ثقيلة، وسلاسل تصدر صريرًا - لم نكن نعرف شيئًا عن التعليق أو نسب التروس. كل ما عرفناه كان متعة السرعة ولسعات جروح الركب".
ما بدأ كفاصل أسبوعي عن الروتين اليومي لمجموعة من الشباب المولعين بالدراجات، سرعان ما أصبح عادةً مقدسةً لممارسة رياضة دخيلة على عموم الجمهور. وما لبثت الصور الضبابية التي رفعوها على منصة فايسبوك لطلعاتهم عند شروق الشمس، بين بساتين الخوض، ان جذبت الفضوليين. و بحلول 2016، تضاعف عددهم إلى عشرة. ومنها أطلقوا على أنفسهم اسم "فريق الوعل" تيمنًا بالوعل العماني - متسلق الجبال الرشيق.
"كنا مهندسين وموظفين حكوميين وطلاب... جمعتنا هواية قيادة الدراجات" يكمل منصور متأملاً ذكرياته. "هؤلاء العشرة المؤسسون، لا يزالون العمود الفقري لهذا الفريق. كل جبهة نفتحها اليوم، كل انجاز يُنسب لفريق الوعل يحمل بصماتهم".


"ركب المقيمون الكربون فايبر.. فركبنا نحن العزيمة"
كانت السنوات الأولى عسيرة نوعا ما، تطعمنا مذاق الغبار والتحدي. بينما كان الاجانب المقيمون خاصة الاوروبيين منهم ينطلقون في الأودية على دراجاتٍ من أَلياف الكربون مستوردةً، كان فريق الوعل يُصلِح الإطارات بشريط لاصق، ويتداولون دروس اليوتيوب في ما بينهم كأنها نصوص مقدسة.
يتذكّر منصور لحظة التحوّل: خلال رحلة جماعية، أقل ما يمكن ان نَصِفها به كارثية، اذ تعطّلت ثلاث دراجات في منتصف الطريق. دفعنا دراجاتنا تحت سياط شمس الظهيرة، ونحن نغلظ القسم بأننا لن ننطلق غير متجهزين مرة أخرى". في الأسبوع التالي، حوّلوا مرآبًا في بركاء إلى ورشة مؤقتة، يفكّون ويجمعون أنظمة الدواسات والتروس حتى ساعات متأخرة من الليل.
ثم التقى الفريق الناشئ بمُلهمين أفذاذ، مثل الكابتن سعيد المحروقي والكابتن لبيب اللواتي، الذين لمسوا إمكانات في هذا الفريق الجريء المقدام الذي يحمل طموحات تجاوزت آفاق الرياضة المحلية. "سعيد علمنا آداب القيادة في المسارات. لبيب علمنا كيف نقرأ تضاريس تلك المسارات وكيف نتعامل معها. جو بان؟ جعلنا نؤمن بأننا نستطيع المنافسة دوليًا" يقول منصور وهو يتصفح صور أول سباق نظموه كفريق مع بناة دروب عمان.


إخوة السلسلة المكسورة
كانت الأمطار تنهمر على جبال الحاجر، وتجري مياهها في سواقي متشعبة، بينما انحنى منصور فوق سلسلة مكسورة خلال أول رحلة استكشافية لفريق الوعل. ومتجمعين حوله، تداول الأعضاء احتمال التخلي عن "المهمة".
"حينها قال حمد: إما نصلحها معًا، أو نعود سيرًا معًا. عملت سبعة أزواج من الأيادي المليئة بالشحم بتناغم، تمكن الرفاق بفضل ارادتهم واصرارهم من اصلاح العُطل، بامكانياتهم وخبرتهم المحدودة آنذاك. وانتهت طلعتهم تلك تحت ضوء القمر.
أصبح هذا شعارهم "لن نترك أي درّاج خلفنا." عندما لم يستطع أحد الأعضاء تحمل تكاليف المعدّات، ساهموا في توفير ثمنها بشكل جماعي، عندما استوجبت تهيئة المسارات وضع علامات واشارات توجيهية للدراجين تعينهم على تكملة تمارينهم على أفضل وجه، قضوا عطلة نهاية الأسبوع في تكوين أكوام حجرية توضح المعالم، وتمشيط الثنايا والمنحنيات وإماطة الآذى. يختلج صوت منصور بالعاطفة عندما يتذكر أول عضو صغير، ذلك الفتى ذو الأربعة عشر ربيعًا الذي أصبح الآن مدربًا للمنتخب الوطني.
"لم نكن نكوّن راكبي دراجات فقط - بل كنا نَنسُج حاضِنةً لهذه الرياضة ."


رسالة مرسومة في آثار الإطارات
وباقتراب الذكرى العاشرة لتأسيس فريق الوعل، يشاهد منصور جيلًا جديدًا يتحدى مساراتٍ، بدت مستحيلة ذات يوم. تحل الآن محلّ الهياكل الصدئة البدائية، دراجات عصرية من الياف الكربون، صاخبة بألوانها و تصاميمها الحديثة، واما الجبال، فظلت شامخة، لم تتغير ولم تتأثر.
توقف منصور ومعه الدراجين عند نقطة اعتادوا ان يلتقطوا أنفاسهم فيها، ويتأملون المناظر الساحرة الممتدة امامهم، "أترون ذلك التل؟ في بداياتنا كفريق، تطلّب منا عبوره أربع محاولات قبل ان نتجاوزه. الشهر القادم باذن الله، سيكون مرحلة من مراحل سباق وطني، يشارك فيها دراجون عمانيون ومن العالم." حملت الرياح كلماته إلى الدراجين أسفله "تذكّروا- كل ضغطة دواسة تكتب فصلا جديدا من فصول تاريخ هذه الرياضة."


لماذا يعتبر منصور المحروقي أسطورة؟
الحجر الأساس: جعل من تجمّعات رحلات عابرة وطلعات ارتجالية، أعرق فريق للدراجات الجبلية في السلطنة؛
- المهندس الخفي: من رحم ورشة مرآبه خرج أبطال الرياضة ممثلين السلطنة في المناسبات الدولية؛
- حارس الاصول: يعمل جاهدا على ان لا تذهب مساهمات أي رائد في الميدان طي النسيان؛
واعتقد انه لا يختلف درّاجان اثنان في كامل السلطنة ان تواضعه وخلقه الراقي من اجمل شيمه.
"الأساطير لا تُصنع من الدراجات التي يركبونها - بل من المسارات التي يتركونها للآخرين".

